Buscar

... لو أن كل عربي أصلح ما تصل إليه يده!


منشور .............
الخميس, 30 يوليو 2009 جريدة الحياة

بقلم محمد جابر الأنصاري *
يسود هذه الأيام إحباط كبير بين العرب بسبب العجز والتشرذم وغموض المصير. ونعتقد أن مرد ذلك، عائد بالدرجة الأولى، إلى اعتماد المواطن العربي – ليس على نفسه – وإنما على القرار من أعلى أو... انتظار البيان الرقم (1) من الإذاعة، كما تعود في عقود سابقة كي يأتيه الفرج الذي ينتظره. وتسود خيبة أمل كبيرة بين القطاعات التي يئست وهي من مختلف ألوان الطيف السياسي. وهذا يفسر جنوح بعض الشباب والصغار إلى أعمال اليأس الانتحاري أملاً في تغيير الأوضاع وتحسينها (التي يستحيل بحسب سنن الله في خلقه ومنطق التاريخ أن تتحسن بهذه الطريقة).
وينتهي كل «حوار» عربي إلى طريق مسدود، فما العمل؟ وكيف الخروج من دائرة الخيبة واليأس؟ «التنظيرات» متفاوتة ومتناقضة، وكل حزبٍ بما لديهم فرحون!
ونعتقد، بإخلاص وتواضع، أن الفرد العربي ليس بإمكانه عمل الكثير لتحسين الأوضاع العامة في الظروف الراهنة. لكنه يستطيع – إن أراد – تحمّل المسؤولية المباشرة المترتبة عليه من دون الاحتجاج والتعلل والبحث عن «مبررات» للتراخي والتهرب وإلقاء اللوم على الآخرين. (وإن كنا لا نستطيع «تبرئة» أحد، بخاصة من يحتل موقعاً عاماً، كبر أو صغر: «فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته»).
غير أن هذا الحديث الشريف لا يعفي حتى الفرد العادي من تحمل مسؤوليته المباشرة. فبإمكان المواطن العربي – مثلاً – الاعتناء بتربية أبنائه وتوجيههم وإرشادهم، بدل تركهم ضائعين في الطرقات وأمام «جاذبية» المخدرات... وغيرها. ويحضرني في هذا الصدد مقال كتبه الناشط الكويتي المرحوم أحمد الربعي، الذي فقدناه قبل الأوان، لاحظ فيه أن ثمة «أباً» لا يعرف أبناءه – من حريمه الأربع – ويخلط بينهم ولا يهتم لضياعهم، لكن هذا الأب «المحترم» حريص على «نقد» الأوضاع العامة وتبصير «الحكومة» بمسؤولياتها... ونقدها نقداً «مـراً»!
وثمة قول شائع، لا نشك في صحته، وهو أن المواطن العربي يشتعل حماسة إذا دعي إلى «كنس» الامبريالية، لكنه لا يعبأ إذا دعي إلى «كنس» النفايات والأوساخ التي تملأ داره أو شارعه!
من المؤسف أن التخلي عن المسؤولية الشخصية «المباشرة» قد أصبح ظاهرة «عامة»، وذلك سبب أساس لسوء الأوضاع التي يشكو منها الجميع. وليس توجيه الأبناء المهمة الوحيدة التي يستطيع الفرد العربي القيام بها. فحرصه على أداء عمله بما يقرب من المستوى الأمثل «فريضة غائبة» أو «مفقودة». وهذه مشكلة لا نظن أن دائرة أو مؤسسة أو شركة في الوطن العربي لا تعاني منها. ولنتصور كيف ستصبح عليه الأوضاع العربية لو أن كل فرد عربي قام بعمله كما ينبغي، أو حاول ذلك في أقل تقدير. إن مكانة اليابان، وأمم الشرق الأقصى، تنبع من هذه الحقيقة على رغم أن الأوضاع العامة في بعض تلك البلدان ليست مثالية أو قريبة من المثالية...
والمشكلة في بعض البلدان العربية – الخليجية منها بخاصة – أن المواطن لا يقبل القيام ببعض المهن التي تجلب لها عمالة خارجية لا تؤثر فحسب على النسيج الاجتماعي والثقافي لتلك البلدان، بل يمكن أن تهدد مصيرها كذلك. وما لم يتنبه المواطن إلى ذلك ويعد له أبناءه – والأمل معقود فيهم – فإن بعض المجتمعات العربية مقبلة على كارثة لا محالة...
وعلى رغم «تدين» الكثيرين من العرب اليوم، ووجود أحاديث نبوية وتوجيهات دينية تحث صراحة على أن يُحسن المرء عمله وأن يؤديه على الوجه الأكمل، فإن هـذا الجانب «العملي» في الدين لا يلتفت إليه أحد في غمرة الاهتمام بالمظهر والشكل.
فكما ورد في الأثر النبوي: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم العمل فليتقنه» – رواية الطبراني.
إن «إتقان العمل»، بل القيام به أصلاً، من الصفات المفقودة في الكثيرين من العرب. والأمم، اليوم، تتبارى في «الإنتاجية» ومن يعمل أفضل... ينتج أفضل. فماذا ننتج نحن؟ بعد أن رفعنا شعار: «ننتج من الإبرة إلى الصاروخ!»، فكل ما نستخدم في حياتنا اليومية من الورق والأقلام إلى الملابس والطعام والأدوات من إنتاج الآخرين. ونحن عالة وعيال عليهم!... فإلى متى؟
إضافة إلى ما يستطيع الفرد العربي الواحد القيام به – من حيث تصل يده إليه – من حسن تربية الأبناء وإتقان العمل تأسيس وعيه الفردي على الحقيقة والمعرفة.
إن «أوهاماً» كثيرة يعيش عليها الكثيرون من العرب. وهم يفضلون سماع الوعود «المعسولة» التي تنفّس عنهم وتفرحهم على سماع الحقائق «المرة»... وإن كانت حقائق!. وهذا لا يستقـيم إلى مـا لا نهـايـة. ففي كل مرحلة يصحو العرب على حقـائـق أليمة تجـاهلوها وحجبوها، فتظهر في حياتهم كالمرض العضال الذي كان يحـتـاج إلى معالجة جادة منذ بدايته، لكنهم لا يتنبهون إلى تلك «الحقائق» إلا بعد «استفحالها»... هذا إذا «اعترفوا» بها وتقبلوها... ولم يتطوع الكثيرون من كتّابهم وخطبائهم إلى إلباسها لباساً يخفي وجهها الحقيقي تحت ستار التبرير!
والغريب أن تراثهم الحضاري العربي حافل بالمنبهات العقلية التي توجّه إلى اكتشاف الحقائق كما هي، لكن هذا الجانب من التراث مغفل ومهمل وكأنه لم يكن!
ونحن في عصر لا يرحم إلا من يعرفون الحقيقة ويتبعونها... ولا مكان للتوهم والتدليس!
إن التعامل مع واقع العالم شعراً – والشعر ديوان العرب! – عملية خطرة، بل انتحارية. وحاولنا لفت الأنظار إلى النثر العقلي في تراثنا كمقدمة ابن خلدون التي لو استوعبها العرب لأحسنوا التعامل مع عالمهم المعاصر. فالمقدمة وعالمنا اليوم يستندان إلى ذات المنطق العقلي. وللعرب، في ما بعد، الاستمتاع برومانسية الشعر كما يشاؤون، لكنها لا تصلح لفهم العالم ناهيك عن القدرة على تغييره...
هكذا فلو أصلح العربي الفرد ما تصل إليه يده، والأمثلة عديدة، وقد قدمنا نماذج منها... لتولد كم هائل من الإصلاح الذي لا بد أن يغيّر حال الأمة وينتقل به إلى الأفضل.
إن قطرات الماء – إذا تواصلت وتكاثرت – بإمكانها أن تشق الصخر وتحفر لها مجرى تسير منه. وكذا الأفراد إذا تضافرت إراداتهم وأصلحوا ما تصل إليه أيديهم!
* مفكر من البحرين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق