Buscar

حكمة العجوز شنودة

كان المشهد كالتالى
(يوسف يجلس على شاطئ النيل سارح فى افكاره ويدخن تخلص سيجارة يولع غيرها بينما يجلس بجواره رجل عجوز يظهر عليه الكبر يصطاد)
يصرف يوسف تفكيره عن العجوز وعمره ويتوه فى افكاره وهمومه وقلقه
قلقه على مستقبله
بكره اللى مش باين له ملامح
يوسف قد انهى هذا العام الثانوية العامة وفشل فى الحصول على مجموع كبير يمكنه من الالتحاق بكليه الهندسة مما دمر حلم حياته وقرر ان يدخل كلية التجارة
(يشعل يوسف سيجارة وهو يقول فى صحة كلية الشعب )
قلقه بسبب الاحوال المادية
يوسف ينتمى الى اسرة من الطبقة المتوسطة
(تبا لهذا الهراء لقد انهارت هذه الطبقة وتاكلت فاصبح هناك فى مصر طبقتين طبقـــــة فـــــــــــــــوق وطبقة تحــــــــــــت والكلام عن الطبقة الوسطى او المتوسطة هو كلام فاضى )
كل حاجة بتغلى ويوم بعد يوم يستغنى عن شئ يحبه بسبب الغلاء
يدخن ويدخن ويفكر
- هو انا جيت الدنيا ليه؟
تتحول الافكار لحوار بين يوسف ونفسه
- علشان تعمر الكون
- كليشيه محفوظ ما فيش حاجة اسمها تعمير الكون الكون ما هو الا مساحة من الفوضى والاحداث العشوائية وخصوصا فى مصر
عارف انا احيانا بفكر انى ممكن اكون جيت الدنيا غلط
- ايه يا عم الكلام ده ده انت محظوظ
- ده بامارة ايه ؟؟
- بامارة انك انت الحيوان المنوى الوحيد من بين 20 مليون حيوان منوى اللى بقى بنى ادم شوف الحظ
- تفتكر لو كان حيوان منوى تانى هو اللى بقى بنى ادم كنت انا هبقى فين ويا ترى حياته كانت هتبقى عاملة ازاى؟
- يلعن ابو التفكير اللى بيطلع اسئلة بنت .....فى دماغك ملهاش اى اجابة
- ما فيش حاجة اسمها سؤال من غير اجابة فيه حاجة اسمها ان تفكيرك ماقدرش يوصل للاجابة او وصل لاجابة ثوابتك تتعارض معاها فاقنعت نفسك ان السؤال مالهوش اجابة
- برضه يلعن ابو التفكير وبقولك ايه بقى سيبك من ده كله اللى حصل حصل وبقيت بنى ادم....................
- فاشل تعرف انا ساعات بفكر ان ممكن تكون الدنيا دى كلها مش حقيقية وهى عبارة عن بروفة جينرال للحياة الاصلية
- هيبان
- هو ايه ده اللى هيبان؟؟
- كل حاجة يا معلم اذا كانت الحياة بروفة جينرال فاكيد لحظة موتك المخرج هيطلع ويقولك برافو جو اداء رائع وتدخل العرض الحقيقى بقى
(يطيل يوسف النظر الى الماء)
- بتفكر فى ايه؟؟
- بفكر انط واعرف الاجابة دلوقتى اذا كانت الحياة دى حقيقية ولا بروفة جينرال ايه اللى يخلينى اعيش الحياة دى ؟؟؟
- نفس الاسباب اللى تخليك تنتحر هى هى اللى تخليك تعيش
- ما انت بقيت فيلسوف اهو!!!
- اتعلمت من اهلك بقالك اكتر من 5 سنين عمال تتفلسف على اهالينا لازم اتعلم منك انا بتكلم بجد انت يا يوسف ما عملتش حاجة فى دنيتك وحاسس ان حياتك بلا قيمة او هى كده فعلا وعلشان كده عايز تنتحر والوش التانى للكوين انك لازم تعيش علشان تعمل حاجة فى حياتك اللى ماعملتش فيها حاجة الحياة والموت وجهان لكوين واحدة اوعى تفتكر انك هتموت تغمض عينيك وتفتحها تلاقيك فى مكان اجمل او تستريح. الجنة والنار موجودين ع الارض هنا الفرق ان فى الحياة بتعيش فى الاتنين مع بعض يوم فى الجنة ويوم فى النار ساعة فى الجنة وساعة فى النار وهكذا
- بص شايف الراجل ده.................(يشعل يوسف سيجارة وينفث الدخان) شكله كبير قوى ايه اللى عيشه المده دى كلها مع ان الحياة لعنة انا مؤمن ان اللى يموت عدوه علشان يرتاح منه حمار اذا اردت تعذيب عدوك فقط دعه يحيا.
- ماشى يا عم الحياة لعنه الموت يا معلم ممكن يكون متين لعنه افرض ان الحياة دى طلعت حقيقية هل عندك اى ضمان ان ربنا جميل وطيب ورحيم وهيدخلك الجنة مش ممكن يكون زهقان منك ومش طايقك ويروقك فى النار هتعمل ايه يا معلم هتبقى اتمشيت للنار برجلك وساعتها العذاب هيبقى حقيقى
ها يا معلم عندك ضمان انك ممكن تعدى منه ويدخلك الجنه؟؟؟
عندك ضمان انك لما تسافر تروح مكان اجمل ؟؟
الحياة ممكن تكون فى لحظة اجمل من الجنة اللى انت عايز تروحها علشان قرفان من الدنيا
- مش عارف فعلا ممكن تكون الدنيا حقيقية مش بروفه ولا رسمه كروكى لحياة تانية
وانا فعلا مش على علاقة كويسة بربنا بل انى احيانا بفكر فى حاجات تخليه لو موجود يبقى ناقم عليا جدا ويوميا بسمع عن عذاب هو محضره للى زييى كده ومش متاكد اذا كان حقيقة ولا خيال مريض من رجال دين معتوهين؟؟ انا عمرى ما كنت متدين بعكس كتير من اصحابى ومعارفى وفعلا لو طلع ربنا مش رحيم ولا حاجة وطلع فعلا محضر كل اشكال العذاب دى ليا هبقى خدت خ...............
بس انا بقالى اكتر من سنتين ما ضحكتش انا حاسس ان وشى صدى من قله الضحك انا النهاردة بصيت فى المراية حسيت ان الوش ده لواحد تانى مش ليا
عايز اخلص من الحياة المقرفة دى وفى نفس الوقت ما عنديش اى تصور عن الحياة التانية اللى هروحها
تفتكر فعلا ممكن تكون حياتنا مرة واحدة وخلاص وبعد الموت حارة سد؟؟؟
- ما فيش اى ضمانات قاعدة ذهبية .اى شئ غير ملموس هو غير محدد وغير معروف كليا ما فيش حد مات وبعدين رجع حكى عن اللى حصل للاسف يا جو سؤالك مالوش اجابة ....
- تانى هتقولى مالوش اجابة قلت لك قبل كده كل سؤال له اجابة
- طيب يا فيلسوف الغبرة قولى ايه جواب سؤالك
(سيجارة اخرى يشعلها ويطقطق راسه )
- مش عارف يا يوسف الملحدين بيقولوا ان الدنيا مرة واحدة وبعدين شكرا الانسان بيفنى وخلاص فى حين ان الدينيين لهم راى عكس كده وهى ان فيه حياه تانية ورا حاجز الموت وفيه جنه وفيه نار فيه ملكوت للرب الارواح بتتطلع ليه او فيه نار الروح بتروحها لو كانت خطائة
- هع هع هع هع هع هع وبرضه ما فيش ضمانات الفريقين ماعندهمش اى ضمانات او اثباتات على كلامهم
- الملحدين بيستعينوا بالعلم والنظريات والدينيين بايمانهم بالغيبيات
- خلاص يبقى انت تفضل عايش فى الدنيا كده زى الشاطر لحد ما تعرف الاجابة او تختار الاجابة اللى انت عايزها اختر الاجابة الصحيحة من بين القوسين هع هع هع هع دى اسئلة الثانوية العامة اسهل من اسئلتك هع
- ما تجيبليش سيرتها
(يختلس يوسف النظر الى العجوز الصياد)
- يلعن ابو الملل الراجل ده ما زهقش بقاله ساعتين او اكتر ماطلعش سمكة واحدة
- ما هو علشان كده الصيد بيعلم الصبر
- صبر ايه ده ملل وتضييع وقت
- هع هع هع هع انت اللى بتتكلم عن تضييع الوقت ده انت حياتك كلها وقت ضايع
- صحيح على رايك
(يشعل يوسف سيجارة )
العلاقة بين يوسف والسيجارة تعدت كونها مجرد لفافة تبغ يدخنها تطورت العلاقةحتى اقتربت من الصداقة او الحب فالسيجارة ليوسف الصديق الحميم الذى يشارك يوسف احزانه وافراحة وان كانت احزانه اكتر ففى الوقت الذى يكون فيه بمفرده يفتح صدره لدخان السيجارة ويشبعه بهمومه واحزانه كصديق يفضفض له وهو ينصت بكل اهتمام.

ينظر العجوز الى يوسف ويقول له
- ممكن ولاعة ؟؟؟
يمد يوسف يده للعجوز بالولاعة
يشعل العجوز السيجارة و يرجع الولاعة ليوسف وهو يقول
- شكرا
- العفو
- بقالك ساعتين باصص للميه وشربت سجاير ياما شكلك متضايق
- شوية
- بص يا بنى هههه مع ان ابنى اكبر منك كتير .انا حاسس بيكم انتوا ولاد اليومين دول عليكم ضغط كبير الله يعينكم بس برضه حاسب على نفسك شوية
يكتفى يوسف بان يومأ للعجوز براسه
يعاود العجوز الحديث
- بص يا بنى انا عارف ان كتير من جيلكم بيحاول يبقى كويس وبيعافر مع الدنيا بس الدنيا مش بتديله اللى هو عايزه
الدنيا يا بنى زى النيل ده كده مليانه سمك والسمك ده بقى كل حاجة والسمك مش بيطلع لاى حد كل واحد منا معاه سنارة ودى العمل والسعى والسمك مش هيطلع معاك من اول مرة لازم تحاول وتصبر زييى كده بقالى 3 ساعات كل اللى بعمله انى بطلع السنارة واحط الطعم وارميها تانى وماطلعش سمك واهو الوقت اذف وهروح
ممكن يطلع معايا سمك بكرة ممكن
ممكن ما يطلعش
ممكن برضه
اعمل الللى عليك وسيبك من النتيجة و خدها من راجل عجوز رجل له فى الدنيا ورجل فى القبر عيش الدنيا زى ما هى اعمل اللى ييجى فى بالك سيبك من الناس واللى عايزينه انت ريس مركب حياتك وانت الوحيد اللى له الحق فى انه يختار ترسى المركب فين ساعات هتلاقى المركب رسيت بيك فى حته انت ما كنتش عامل حسابها سيبها ترسى بيك واسمع كلامها
عيش الدنيا يا بنى ده فرصه واضحك دايما. الضحك من غير سبب مش قله ادب اضحك علشان تتضحك لك ساعات هتحزن
مش مهم
الحزن والالم هم اللى بيفرقوك عن التمثال الحجر وهم اللى بيخلوك متاكد انك عايش
ساعات هتبقى عايز تبكى ابكى انت انسان
قام العجوز ولم حاجاته
نظر اليه يوسف وقال له
- شكرا
- العفو يا ... انت اسمك ايه
- يوسف
- الله اسمك حلو انا شنودة ودايما هتلاقينى هنا فى نفس المكان والميعاد
- اقابلك على خير
- خلى بالك على نفسك والله يعينك واضحك اضحك
ينصرف العجوز ويجلس يوسف مفكرا فى كلام العجوز شنودة ويبتسم ربما للمرة الاولى من زمن. يشعر انه تغير يقوم من مكانه ويضحك يضحك بصوت عالى وهو عازما على ان يترك الحياة تمشى


يغيب يوسف أيام وينشغل فى أمور الحياة وقد احس بطعم الحياة الجديد تذكر العجوز ذهب لنفس المكان فى الميعاد الذى قابله فيه ولكنه لم يجده جلس ساعة ولم ياتى شنودة
عاد يوسف لبيته وعاد لشاطئ النيل فى اليوم التالى ولم يجد شنودة
كان هذا حال يوسف عده ايام ولم يقابل شنودة مرة ثانيه
أين انت يا شنودة فينك دلوقتى مش عارف ممكن تكون مت وممكن تكون عايش بس فى مكان تانى فى كل الاحوال انت لسه عايش بكلامك وحكمتك.
مر اكثر من سنتين على لقاءه بشنوده ولكنه لم ينساه عاشت ذكرى هذا اللقاء معه وستعيش حتى يموت
فى هذه المده اكتئب اكثر من مرة فكر فى الانتحار كثيرا ودائما كان يظهر له وجه شنودة الطيب ويسمع صوته فى اذنه ويضحك
يضحك بصوت عالى
Based on true story