Buscar

القط الاسود لادجار الان بو


لست أتوقع منكم، بل لست أطلب أن تصدقوا الوقائع التي أسطرها هنا لقصة هي أغرب القصص وإن كانت في الآن عينه مألوفة للغاية. سوف أكون مجنوناً لو توقعت أن تصدقوا ذلك، لأن حواسي ذاتها ترفض أن تصدق ماشهدته ولمسته. غير أنني لست مجنوناً – ومن المؤكد أنني لا أحلم- وإذ كنت ملاقياً حتفي غداً فلا بد لي من أن أزيح هذا العبئ عن روحي. ما أرمي إليه هو أن أبسط أمام العالم، بوضوح ودقة، وبلا أي تعليق، سلسلة من الوقائع العادية جداً. إنها الوقائع التي عصفت بي أهوالها و واصلت تعذيبي ودمرتني. مع ذلك لن أحاول تفسيرها وإذا كنت لا أجد فيها غير الرعب فإنها لن تبدو للآخرين مرعبة بقدر ما ستبدو نوعاً من الخيال الغرائبي المعقد. قد يجيء في مقبل الأيام ألمعي حصيف يبين له تفكيره أن هذا الكابوس مجرد أحداث عادية – وربما جاء ألمعي آخر أكثر رصانة وأرسخ منطقاً وتفكيره أقل استعداداً للإثارة من تفكيري، ليرى في الأحداث التي أعرضها بهلع مجرد تعاقب مألوف لأسباب طبيعية ونتائجها المنطقية. عُرِفْت منذ طفولتي بوداعتي ومزاجي الإنساني الرقيق، حتى أن رقة قلبي كانت على درجة من الإفراط جعلتني موضوع تندر بين زملائي. وقد تميزت بولع خاص بالحيوانات مما جعل أبواي يعبّران عن تدليلهما لي بإهدائي أنواعاً من الحيوانات المنزلية. مع هذه الحيوانات كنت أمضي معظم أوقاتي ، ولم أعرف سعادة تفوق سعادتي حين كنت أطعمها وأداعبها. نمت هذه الطباع الغريبة مع نموي، وكانت لي في طور الرجولة أكبر منابع المتعة. الذين عرفوا مشاعر الولع بكلب أمين ذكي سوف يفهمون بسهولة ما أود قوله عن مدى البهجة المستمدة من العناية بحيوان أليف. إن في تعلق الحيوان بصاحبه تعلقاً ينـكر الـذات ويضـحي بها مايخترق قلب الإنسان الذي هيأت له الظروف أن يعاني من خسة الصداقة وضعف الوفاء عند الجنس البشري. تزوجت في سن مبكرة، وقد أسعدني أن أجد في مزاج زوجتي مالايناقض مزاجي. وإذ لاحظت ولعي بالحيوانات المنزلية لم تترك مناسبة تمر دون أن تقتني منها الأجناس الأكثر إمتاعاً وإيناساً. هكذا تجمع لدينا طيور وأسماك ذهبية وكلب أصيل وأرانب وقرد صغير وقط. كان هذا القط كبير الحجم بشكل مميز، جميل الشكل، أسود اللون بتمامه، وعلى قدر عجيب من الذكاء، كانت زوجتي التي لا أثر للمعتقدات الخرافية في تفكيرها، حين تتحدث عن ذكائه تشير إلى الحكايات الشعبية القديمة التي تعتبر القطط السود سحرة متنكرين. هذه الإشارات لاتعني أنها كانت في يوم من الأيام جادة حول هذه المسألة. أذكر هذا لسبب وحيد هو أنه لم يرد إلى ذهني قبل هذه اللحظة. كان بلوتو – وهذا هو اسم القط- حيواني المدلل وأنيسي المفضل، أطعمه بنفسي، ويلازمني حيثما تحركت في البيت. بل كنت أجد صعوبة لمنعه من اللحاق بي في الشوارع. دامت صداقتنا على هذه الحال سنوات عديدة، تبدل خلالها مزاجي وساء سلوكي بفعل ادماني على المسكرات (إني أحمرّ خجلاً إذ أعترف بذلك) ويوما بعد يوم تزايدت حدة مزاجي وشراستي، واستعدادي للهيجان، وتزايد استهتاري بمشاعر الآخرين. ولكم عانيت وتألمت بسبب التعابير القاسية التي رحت أوجهها إلى زوجتي، حتى أنني في النهاية لجأت إلى العنف الجسدي في التعامل معها. وبالطبع فقد استشعرت حيواناتي هذا التغير في مزاجي. ولم أكتف بإهمالها بل أسأت معاملتها. وإذا كان قد بقي لبلوتو بعض الاعتبار مما حال دون إساءتي إليه فإنني لم أستشعر دائماً في الإساءة إلى الأرانب أو القرد، أو حتى الكلب، كلما اقتربت مني مصادفة أو بدافع عاطفي. غير أن مرضي قد تغلب علي – وأي مرض كالمسكرات!- ومع الأيام حتى بلوتو الذي صار هرماً ومن ثم عنيداً نكداً بدأ يعاني من نتائج مزاجي المعتل. ذات ليل كنت عائداً إلى البيت من البلدة التي كثر ترددي إليها وقد تعتعني السكر؛ وخيل إلي أن القط يتجنب حضوري؛ فقبضت عليه، وإذ أفزعته حركاتي العنيفة جرحني بأسنانه جرحاً طفيفاً فتملكني غضب الأبالسة. وبدا أن روحي القديمة قد اندفعت على الفور طائرة من جسدي؛ وارتعد كل عرق في هيكلي بفعل حقد شيطاني غذاه المخدر. فتناولت من جيب سترتي مطواة، فتحتها وقبضت على عنق الحيوان المسكين واقتلعت عامداً إحدى عينيه من محجرها! إنني أحتقن، أحترق، أرتعد حين أكتب تفاصيل هذه الفظاعة الجهنمية. لما استعدت رشدي في الصباح – لما نام هياج الفسوق الذي شهده الليل- عانيت شعوراً هو مزيج من الرعب والندم بسبب الجريمة التي ارتكبتها، غير أن ذلك كان في أحسن الحالات شعوراً ضعيفاً وملتبساً لم يبلغ مني الأعماق. ومن جديد استحوذ علي الإفراط في الشراب. وسرعان ما أغرقت الخمرة كل ذكرى لتلك الواقعة. في هذه الأثناء أخذ القط يتماثل للشفاء تدريجياً. صحيح أن تجويف العين الفارغ كان يشكل منظراً مخيفاً لكن لم يبد عليه أنه يتألم، وعاد يتنقل في البيت كسابق عهده، غير أنه كما هو متوقع، كان ينطلق وقد استبد به الذعر كلما اقتربت منه. كانت ماتزال لدي بقايا من القلب القديم بحيث ينتابني الحزن إزاء هذه الكراهية الصارخة التي يبديها لي كائن أحبني ذات يوم. لكن سرعان ماحل الانزعاج محل الحزن. وأخيراً جاءت روح الانحراف لتدفعني إلى السقوط الذي لانهوض منه. هذه الروح لاتوليها الفلسفة أي اعتبار. مع ذلك لست واثقاً من وجود روحي في الحياة أكثر من ثقتي أن الانحراف واحد من الموازع البدئية في القلب البشري، واحد من الملكات أو المشاعر الأصيلة التي توجه سلوك الإنسان. من منا لم يضبط نفسه عشرات المرات وهو يقترف إثماً أو حماقة لا لسبب غير كون هذا العمل محرماً؟ أليس لدينا ميل دائم، حتى في أحسن حالات وعينا، إلى خرق مايعرف بالقانون لمجرد علمنا بأنه قانون؟ روح الانحراف هذه هي التي تحركت تدفعني إلى السقوط النهائي. إنها رغبة النفس الدفينة لمشاكسة ذاتها – لتهشيم طبيعة ذاتها- لاقتراف الإثم لوجه الإثم، هذه الرغبة التي لايسبر غورها هي التي حرضتني على مواصلة الأذى ضد الحيوان الأعزل، وأخيراً الإجهاز عليه. ذات صباح وعن سابق تصور وتصميم لففت حول عنقه أنشوطة وعلقته بغصن شجرة ..شنقته والدموع تتدفق من عيني، وفي قلبي تضطرم أمرّ مشاعر الندم؛ شنقته لعلمي أنني بذلك أقترف خطيئة،خطيئة مميتة سوف تعرض روحي الخالدة للهلاك الأبدي، وتنزلها إن كان أمر كهذا معقولاً، حيث لاتبلغها رحمة أرحم الراحمين والمنتقم الجبار. في الليلة التي وقع فيها هذا الفعل الشنيع، استيقظت من النوم على صوت النيران. كان اللهب يلتهم ستائر سريري والبيت بكامله يشتعل. ولم ننج أنا وزوجتي والخادم من الهلاك إلا بصعوبة كبيرة. كان الدمار تاماً. ابتلعت النيران كل ما أملك في هذه الدنيا، واستسلمت مذ ذاك للقنوط واليأس. لم يبلغ بي الضعف مبلغاً يجعلني أسعى لإقامة علاقة سببية بين النتيجة وبين الفظاعة التي ارتكبتها والكارثة التي حلت بي. لكنني أقدم سلسلة من الوقائع وآمل ألا أترك أي حلقة مفقودة في هذا التسلسل. في اليوم الذي أعقب الحريق ذهبت أزور الأنقاض. كانت الجدران جميعها قد تهاوت باستثناء جدار واحد، هذا الجدار الذي نجا بمفرده لم يكن سميكاً لأنه جدار داخلي يفصل بين الحجرات ويقع في وسط البيت، وإليه كان يستند سريري من جهة الرأس. وقد صمد طلاء هذا الجدار وتجصيصه أمام فعل النيران. وهو أمر عزوته إلى كون التجصيص حديثاً. أمام هذا الجدار كان يتجمهر حشد من الناس وبدا أن عدداً كبيراً منهم يتفحص جانباً مخصوصاً منه باهتمام شديد، فحركت فضولي تعابير تصدر عن هذا الحشد من نوع (عجيب!) (غريب!) دنوت لأرى رسماً على الجدار الأبيض كأنه حفر نافر يمثل قطاً عملاقاً. كان الحفر مدهشاً بدقته ووضوحه، وبدا حبل يلتف حول عنق الحيوان. عندما وقع نظري لأول مرة على هذا الشبح، إذ لم أكن أستطيع أن أعتبره أقل من ذلك، استبد بي أشد العجب وأفظع الذعر. غير أن التفكير المحلل جاء ينقذني من ذلك. لقد كان القط على ما أذكر معلقاً في حديقة متاخمة للبيت؛ فلما ارتفعت صيحات التحذير من النار، غصت الحديقة فوراً بالناس، ولابد أن شخصاً ما قد انتزعه من الشجرة وقذف به عبر النافذةإلى غرفتي، وربما كان القصد من ذلك تنبيهي من النوم. ولابد أن سقوط الجدران الأخرى قد ضغط ضحية وحشيتي على مادة الجص الحديث للطلاء؛ اختلط كلس هذا الطلاء بالنشادر المتصاعد من الجثة وتفاعل به بتأثير النيران فأحدث الرسم النافر الذي رأيته. ومع أنني قدمت هذا التفسير لأريح عقلي، إن لم أكن قد فعلت ذلك لأريح ضميري، فإن المشهد الغريب الذي وصفته لم يتوقف عن التأثير في مخيلتي، وعلى مدى أشهر لم أستطع أن أتخلص من هاجس القط؛ خلال هذه الفترة عاودني شعور بدا لي أنه الندم، ولم يكن في الحقيقة كذلك. لم يكن أكثر من أسف على فقد حيوان، وتفكير بالحصول على بديل من النوع نفسه والشكل نفسه ليحل محله. في إحدى الليالي، فيما كنت جالساً، شبه مخبول، في وكر من أوكار العار، إذ أنني أدمنت الآن ارتياد هذه الأماكن الموبوءة، جذب انتباهي فجأة شيء أسود فوق برميل ضخم من براميل الجن أو شراب الروم، البراميل التي تشكل قطع الأثاث الرئيسية في ذلك المكان، كنت طوال دقائق أحدق بثبات في رأس البرميل، وما سبب دهشتي هو أنني لم أتبين للحال طبيعة الشيء باستثناء شيء واحد. إذ لم تكن في أي مكان من جسم بلوتو شعرة بيضاء واحدة؛وكانت لهذا القط بقعة بيضاء غير واضحة الحدود تتوزع على منطقة الصدر بكاملها. حالما لمسته نهض وأخذ يخط بصوت مرتفع ويتمسح بيدي، وبدا مسروراً باهتمامي له، وإذن هذا هو بالضبط ماكنت أبحث عنه. للحال عرضت على صاحب البيت شراءه، لكن هذا أجاب بأنه لايملكه ولايعرف شيئاً عنه، ولم يره من قبل. واصلت مداعبتي له، ولما تهيأت للذهاب، اتخذ وضعية تبين أنه يريد مرافقتي، فتركته يصحبني، وكنت بين الحين والآخر أتوقف وأربت على ظهره أو أمسح رأسه. لما وصل إلى البيت بدا أليفاً ولم يظهر عليه أي استغراب. وعلى الفور صار أثيراً لدى زوجتي. أما أنا فسرعان ماوجدت المقت يتصاعد في أعماقي، وكان هذا عكس ماتوقعته. ولم أستطع أن أفهم كيف تعلق القط بي ولاسبب هذا التعلق الواضح الذي أثار اشمئزازي وأزعجني. وأخذ الانزعاج والاشمئزاز يتزايدان شيئاً فشيئاً ويتحولان إلى كراهية مريرة، فأخذت أتجنب هذا الكائن؛ كان إحساس ما بالعار، وذكرى فظاعتي السابقة يمسكان بي عن إلحاق الأذى الجسدي به. وامتنعت طوال أسابيع عن ضربه أو معاملته بعنف، لكن تدريجياً - وبتدرج متسارع- أخذت أنظر إليه بكره لايوصف وأبتعد بصمت عن حضوره البغيض كما أبتعد عن لهاث مصاب بالطاعون. ما أكدَّ كرهي لهذا الحيوان هو اكتشافي، صبيحة اليوم التالي لوصوله أنه مثل بلوتو، قد فقد إحدى عينيه، غير أن هذا زاد من عطف زوجتي عليه لأنها كما ذكرت تملك قدراً عظيماً من المشاعر الإنسانية التي كانت ذات يوم ملامحي المميزة، ومنبعاً لأكثر المسرات براءة ونقاء. كان هيام القط بي يزداد بازدياد بغضي له، فكان يتبع خطواتي بثبات يصعب إيضاحه، فحيثما جلست، كان يجثم تحت مقعدي، أو يقفز إلى ركبتي ويغمرني بمداعباته المقززة، فإذا نهضت لأمشي اندفع بين قدمي وأوشك أو يوقعني، أو غرز مخالبه الطويلة الحادة في ثيابي ليتسلق إلى صدري، ومع أنني كنت أتحرق في مناسبات كهذه لقتله بضربة واحدة فقد كنت أمتنع عن ذلك بسبب من ذكرى جريمتي السابقةإلى حد ما، لكن بصورة أخص – ولأعترف بذلك حالاً- بسبب الرعب من هذا الحيوان. لم يكن هذا الرعب خوفاً من شر مادي مجسد، مع ذلك أحار كيف أحدده بغير ذلك، يخجلني أن أعترف أجل، حتى في زنزانة المجرمين هذه، يكاد يخجلني الاعتراف بأن الرعب والهلع اللذين أوقعهما في نفسي هذا الحيوان ازدادا حدة بسبب من وهم لايقبله العقل.

القلب الواشى ل ادجار الان بو

، كنت عصبيا بشكل فظيع جدا ومازلت: ولكن لماذا ستقول عني أنني مجنون ؟ لقد جعل المرض أحاسيسي حادة _لم يدمرها - لم يجعلها بليدة فوق كل هذا كانت حاسة السمع قوية. سمعت أشياء كثيرة في السماء والأرض. سمعت أشياء كثيرة في الجحيم. إذن كيف أكون مجنونا؟ أنصت ! ولاحظ كيف أستطيع بدقة _ وبهدوء أن أحكي لك القصة كاملة. من المستحيل أن أقول كيف داخلتني م الفكرة الأولى لأول مرة: لكني مع ذلك متيقن، أنها اقتنصتني ليل نهار. لم يكن هناك هدف، لم لا تكن هناك عاطفة. أحببت الرجل العجوز. فهو لم يخطئن مرة. ولم يداهمني بالتوبيخ أبدا. لم تكن لدي رغبة في ذهبه. أعتقد أنه - الذهب _ كان عينه ! عينه، كان هكذا! كانت إحدى عينيه تشبه عين النسر _ عين زرقاء شاحبة، يعتريها غشاء رقيق. ففي كل حين تقع علي أشعر بهروب دمي؟ وهكذا بالتدريج _ تدريجيا جدا مسر عزمت على أن آخذ حياة الرجل العجوز، وبهذا أخلص نفسي من تلك العين للأبد. الآن تلك هي المسألة. أعتقد أنني مجنون. المجانين لا يعرفون شيئا لكن لابد وأنك فهمتني. لابد وأنك أدركت كيف بحكمة تناميت - بأي حرص.بأي بعد نظر - بأي قناع كنت أذهب للعسل ! لم أكن أبدو عطوفا على الرجل العجوز أكثر من عطفي عليه خلال الأسبوع الذي قمت فيه بقتله. وفي كل ليلة، تقريبا في منتصف الليل كنت أمضي صوب المزلاج وأفتحه - آه، بلطف شديد! وحينئذ، عندما أفتح مسافة كفاية لرأسي، أطفي، مصباحا خافت الضوء، كله مغلق، مغلق، حتى لا يكون هناك أي شعاع من الضوء، عندئذ أتسلل برأسي، آه، ربما تضحك إذا ما أدركت نحيف بخبث كنت أدخل رأسي ! كنت أحركه ببط ء جدا جدا، حتى لا أزعج الرجل العجوز وهو نائم. كنت أستهلك ساعة من الوقت حتى أدخل رأسي كاملا ل فتحة الباب لدرجة أنني استطعت أن أراه ممددا على سريره. ها ! _ هل هناك رجل مجنون يتسم بكل هذه الحكمة ؟ بعد ذلك حين يصبح رأسي في الغرفة تماما، كنت أقوم بفك المصباح بحرص - آه، بحرص جدا _ بحرص (لأن المفصلات كانت تصدر صوتا ) _ كنت أفتح المصباح قليلا جدا حتى يسمح لشعاع واحد رفيع من الضوء أن يسقه على عين النسر. وهكذا فعلت لليال سبع طوال - في منتصف الليل تماما في كل ليلة _ غير أني كنت أجد العين دائما مغلقة: لذا كان من المستحيل أن أتمم المسألة: لآن الرجل العجوز لم يكن يضايقني بل ما كان يضايقني عينه الشريرة، وفي كل صباح، عند حلول النهار، كنت أدخل غرفة النوم بجرأة، وأناديه باسمه في نغمة ودودة، وأسأله كيف قضيت الليلة. لتدرك أنه كان رجلا عجوزا متعمقا، في الحقيقة، لتشك أني في كل ليلنة، في تمام الساعة الثانية عشرة، كنت أطل علية أثناء نومه. في الليلة الثامنة، كنت حذرا أكثر من المعتاد عند فتح الباب. عقرب الدقائق في ساعة اليد كان يتحرك أسرع من يدي. لم أشعر أبدا بقواي الخاصة قبل هذه الليلة _ قوى الذكاء والتحكم عندي. استطعت بالكاد أن أسيطر على مشاعر النصر التي داخلتني لاعتقادي أنني كنت أفتح الباب رويدا رويدا، وهو لا ا يحلم حتى بأفعالي أو أفكاري السرية. الى حد ما ضحكت سرا على هذه الفكرة، وربما يكون قد سمعني، لأنه تحرك على السرير فجأة، كما لو كان قد ذهل. الآن ربما تظن أنني تراجعت _ لكن.. كانت غرفته سوداء معتمة كالقطران بسبب الظلام الحالك (لأن النوافذ كانت مغلقة بالمزاليج خشية السطو)، هكذا أدركت أنه لم يستطع أن يرى فتحة الباب، وظللت أحافظ عل وضع الباب بثبات، بثبات. كان رأسي بالداخل، وكنت على وشك أن أفتح المصباح، عندما انفلت إبهامي على المزلاج، وانتفض الرجل على سريره صارخا من هناك ؟". ظلت ماكثا في مكاني وقلت لا شي ء. لساعة كاملة لم أحرك عضلة واحدة وفي نفس الوقت، لم أسمعه يستلقي، كان لم يزل جالسا في سريره منصتا: تماما كما كنت أفعل ليلة بعد أخرى، منصتا لساعات الموت على الحائط. بعد قليل سمعت أنينا خافتا وأدركت أنه أنين فزع مميت، لم يكن أنين الألم أو الأسى _ آه، لا لقد كان صوتا منخفضا مختنقا يأتي من قاع الروح عندما يثقلها الكرب. كنت أعرف هذا الصوت جيدا. في ليال كثيرة في منتصف الليل تماما، حيث كان العالم كله نائما، كان هذا الصوت ينبجس من صدري، عميقا، بصداه الصاخب، تلك هي المفازع التي كانت تربكني الى حد الجنون. أقر أنني كنت أعرف هذا الصوت جيدا. كنت أعرف ما كان الرجل يشعر به، وأشفقت عليه، بالرغم من أنني قهقهت من أعماقي. كنت أعرف أنه كان يستلقي يقظا منذ أن سمع أول حركة إزعاج، عندما تقلب في السرير. كانت مخاوفه تتفاقم عليه منذ ذلك الحين. كان يحاول أن يوهم نفسا أن هذه الجلبة الخافتة بلا سبب، غير أنه لم يستطع. كان يقول في نفسه – "لا شيء، فقط هي الريح تعبث في المدخنة - فقط هو فأر يمر على الأرض "، أو "لعله مجرد مرصور يصأى" نعم، كان يحاول أن يريح نفسه بهذه الافتراضات: لكنه وجد ذلك كه بلا جدوى. كل هذا بلا جدوى؟ ذلك أن الموت، عندما اقترب منه، خطا متشامخا بظلاله السوداء أمامه، وغطى الضحية، وكان هذا هو الأثر المبكى لهذه الظلال الخفية التي شعر بها - بالرغم من أنه لم يسمع ولم ير _ ليشعر بوجود راسي في الغرفة. عندما انتظرت وقتا طويلا بمنتهى الصبر، دون أن أسمعه يستلقي ثانية على السرير _ اضطررت أن أفتح شقا ضئيلا، ضئيلا جدا في المصباح هكذا فتحته _ لا يمكنك أن تتخيل كيف حدث ذلك خلسة وبخفة حتى انطلق في النهاية شعاع خافت وحيد يشبه خيط عنكبوت وسقط على عين النسر. كانت مفتوحة _ مفتوحة باتساع، باتساع. وأصبت بالهياج عندما حملقت فيها. رأيتها بوضوح تام، كلها زرقة كئيبة يعتريها حجاب مفزع أطلق الرجفة في عظامي، غير أنني لم أستطع أن أرى شيئا من وجه الرجل أو جسده: لأنني وجهت الشعاع، كأنما بالغريزة، على البقعة الملعونة وبدقة. والآن ألم أخبرن أنك مخطيء إذ تظن أن الجنون أي شيء سوى الرهافة المفرطة في الحواس ؟ الآن، أقول هناك صوت خفيض، كئيب وسريع يتردد في أذني مثل الذي تصدره بالساعة الملفوفة في القطن. أعرف هذا الصوت جيدا أيضا. كانت ضربات قلب الرجل العجوز. لقد جعلت هياجي يتزايد، كما تزيد ضربات الطبول الشجاعة عند الجنود. لكنني حتى رغم ذلك التزمت الثبات ونادرا ما كنت أتنفس. جعلت المصباح ثابتا تماما وظللت بثبات أحاول كيفية إسقاط الشعاع تماما على العين. في نفسر الوقت تزايدت الضربات الشيطانية للقلب. وأصبحت أسرع وأسرع، وسارت أعلى وأعلى مع مرور كل برهة من الوقت، أقر أنها كانت أعلى في كل لحظة - هل تفهمني جيدا؟ قد أخبرتك أنني عصبي: هكذا أكون. والآن في الساعة الحاسمة من الليل: أعني الصمت المهيمن على هذا المنزل القديم، أثارني إزعاج غريب جدا ودفع داخلي بفزع لم استطع السيطرة عليه. مع ذلك ظللت ثابتا لعدة دقائق أطول. ولكن النبضات صارت أعلى وأعلى - ! اعتقدت أن قلبي يجب أن ينفجر. والآن اقتنصني قلق آخر _هو أن صوت النبضات سيسمعه أحد الجيران ! لقد حانت ساعة الرجل العجوز ! بصرخة عالية، ألقيت المصباح مفتوحا وقفزت داخل الغرفة. صرخة واحدة، واحدة فقط أطلقها الرجل العجوز. وفي لحظة واحدة، سحبته على الأرض، وقلبت السرير الثقيل عليه. حينئذ ابتسمت بابتهاج، عندما أدركت أنني نفذت ما أريد. رفعت السرير وفحصت الجثة. نعم لقد كان حجرا، حجرا ميتا وضعت يدي على القلب وتحسسته لدقائق عديدة. لم يكن هناك ثمة نبض. كان الرجل يشبه حجرا ميتا. لن تزعجني عينه بعد ذلك. لو أنك مازلت تعتقد أنني مجنون، فسوف تكف عن هذا الاعتقاد عندما أصف لك الاحتياطات المتعقلة لاخفاء الجثة. كان الليل قد بدأ في التناهي وأسرع في إنهاء الأمر ولكن في صمت. قمت أولا بفصل الأطراف عن الجثة. قطعت الرأس والأذرع والأرجل. بعدئذ اقتلعت ثلاثة ألواح خشبية من أرضية الغرفة وأودعت الجميع في الفراغات. وثانية أعدت الألواح بمهارة وذكاء شديدين، لدرجة تمنع عين إنسان - وحتى عينيه - من امكانية اكتشاف أي خطأ. لم يكن هناك أي شيء يمكن ازالته -أي نوع من التلوث - أي بقع دم أيا كانت. كنت حريصا جدا في هذه المسألة. فقد جمعت كل هذا في وعاء كبير-ها! ها! حينما انتهيت من كل هذه الأعمال، كانت الساعة قد دقت الرابعة - لم يزل الظلام دامسا كمنتصف الليل. عندما دق جرس الرابعة سمعت طرقا على الباب الخارجي. نزلت لأفتح الباب بقلب هاديء - أي خوف يداخلني الآن ؟ ثلاثة رجال دخلوا، قدموا أنفسهم بتهذيب شديد على أنهم ضباط شرطة لقد سمع أحد الجيران صرخة أثناء الليل ؟ ووردت شكوك بالاشتباه ل جريمة، وتمت التحريات في مكتب الشرطة، وقد أوفدوا (ضباط الشرطة ) لتفتيش المبنى وملحقاته. ابتسمت - مم أخاف ؟ رحبت بالشرطيين. قلت أنا الذي أطقت الصرخة وأنا أحلم. وأكدت لهم، أن الرجل العجوز غائب لأنه في القرية أخذت زواري في جميع انحاء المنزل. وتركت لهم حرية التفتيش - التفتيش بعناية. أرشدتهم الى غرفة النوم، في النهاية. رأوا أن خزائنه آمنة ولم يمسها أحد. وفي حماسة واثقة، أحضرت بعض المقاعد للغرفة، وأظهرت لهم رغبتي في أن يستريحوا من التعب هنا، بينما وضعت لنفسي مقعدا عل المكان الذي دفنت تحته جثة الضحية، في جرأة كبيرة يتوجها انتصار تام. أقنعهم سلوكي معهم، لذا شعر الضباط بالارتياح. كنت أشعر بارتياح غير عادي. جلسوا، بينما كنت أجيبهم ببشاشة، ثرثروا في أشياء اعتيادية. لكن بعد فترة شعرت بالشحوب يعتريني وتمنيت لو غادروا. أصاب الألم رأسي، وتخيلت أن هناك رنين أجراس في أذني ! لكنهم ما زالوا يجلسون ويثرثرون: أصبح رنين الأجراس أكثر وضوحا: استمر وأصبح أكثر وضوحا: تحدثت بمرونة أكثر لأقني على هذا الشعور: لكنه استمر وصار له إيقاع منتظم - حتى وجدت في النهاية أن هذه الضوضاء ليست داخل أذني. لا شك أنني الآن قد صرت شاحبا جدا - غير أنني كنت أتحدث بطلاقة أكثر وبصرت مرتفع. مع ذلك تزايد الرنين -وماذا أستطيع أن أفعل ؟ لقد كان صوتا خفيضا، كئيبا وسريعا - كثير من هذا الصوت يشبه صوت الساعة وهي ملفوفة في القطن. تنفست في لهاث _ مع ذلك لم يسمع الضباط لهاثي. تحدثت بسرعة أكبر - وبعنف أكثر: لكن الرنين تزايد بثبات. نهضت وتحاورت معهم في تفاهات بتوتر شديد وبايماءات عنيفة لكن الرنين تزايد بثبات لماذا لا يرحلون ؟ بخطوات وئيدة قطعت الغرفة جيئة وذهابا كما لو كانت ملاحظاتهم لي قد أثارتني الى حد الغضب _ لكن الرنين تزايد بثبات. يا إلهي ! ماذا أستطيع أن أفعل ؟ أصبت بالغثيان - صرت أهذي.أهلقت السباب ! لوحت بالمقعد الذي كنت أجلس عليه وضربت به الأرض، لكن صوت الرنين ارتفع في كل انحاء المكان واستمر في التزايد. صار أكثر ضجيجا - أكثر ضجيجا ! وما زال الضباط يثرثرون بامتنان وابتسموا. هل من الممكن أنهم لم يسمعوا كل هذا ؟ يا إلهي العظيم: لا، لا ! لقد سمعوا: - لقد شكوا ! - إنهم يعرفون ! إنهم يسخرون من فزعي ! هكذا اعتقدت، وهكذا أعتقد. لكن أي شي ء كان أحسن من هذا العذاب ! لا بأس بأي شيء سيىء إلا هذه السخرية ! لم أعد قادرا على تحمل هذه الابتسامات المنافقة: شعرت أنني لابد أن أصرخ أو أموت ! - والآن _ ثانية - انصت ! أعلى ! أعلى ! أعلى ! أعلى ! صرخت "كفى تظاهرا بالجهل أيها الأوغاد انني أعترف بما فعلت ! اخلعوا الألواح ! هنا - هنا: - إنها نبضات قلبه الفظيع !
Death smiles at us all. All a man can do is smile back."
ان الموت يبتسم لنا حميعا وما على المرء الا ان يرد الابتسام
من فيلم "gladiator"
ما دمت مخير
تحمل مسئولية الاختيار .
ولا تعر احد اهتمامك
لاعتراضهم على ما ابديت
من خيار
فالامر لك وحدك
وليس للاحد عليك
اجبار
مش كل شيئ بيفوت فى عمرنا بيجرح قلب الحياة مليان حاجات وبتفرح

تبسم برعاية ايليا ابو ماضى


قال : السماء كئيبة ، وتجهما قلت : ابتسم يكفي التجهم في السما
قال : الصبا ولّى فقلت له ابتسم لن يرجع الأسف الصبا المتصرما
قال : التي كانت سمائي في الهوى صارت لنفسي في الغرام جهنما
خانت عهودي بعدما ملكتها قلبي فكيف أطيق أن أتبسما ؟
قلت : ابتسم واطرب فلو قارنتها قضّيت عمرك كله متألما
قال : التجارة في صراع هائل مثل المسافر كاد يقتله الظما
أو غادة مسلولة محتاجة لدم وتنفث كلما لهثت دما
قلت : ابتسم ما أنت جالب دائها وشفائها فإذا ابتسمت فربما ..
أيكون غيرك مجرما وتبيت في وجل كأنك أنت صرت المجرما
قال : العدى حولي علت صيحاتهم أأسر والأعداء حولي في الحمى ؟
قلت : ابتسم لم يطلبوك بذمة لو لم تكن منهم أجل وأعظما
قال : المواسم قد بدت أعلامها وتعرضت لي في الملابس والدمى
وعلي للأحباب فرض لازم لكنّ كفي ليس تملك درهما
قلت : ابتسم يكفيك أنك لم تزل حيا ولست من الأحبة معدما
قال : الليالي جرعتني علقما قلت : ابتسم ولئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنما طرح الكآبة جانبا وترنما
أتراك تغنم بالتبرم درهما أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما
يا صاح لا خطر على شفتيك أن تتثلما والوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى متلاطم ولذا نحب الأنجما
قال : البشاشة ليس تسعد كائنا يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما
قلت : ابتسم مادام بينك والردى شبر فإنك لن تتبسما